صورة تعبيرية.. الهوية والإقليم

الإقليم والهوية؟

(…) يُمكننا أيضا مقاربة العلاقة بين الإقليم والهوية من خلال مناقشة إشكالية مفهوم الانتماء بالاستناد إلى الهوية والانتماءات المتعددة، حيث أن مفهومي الهوية والانتماء مكملان لبعضهما لأن الأول يحاول الإجابة على سؤال (من أنا؟) ، والثاني على سؤال (كيف ومع مَن أنا؟).

تربط الهويةُ الفردَ بمجموعات عبر عملية من الحياة الاجتماعية وتكون مسألة الانتماء في هذه الحالة هي حول أشكال وطرق التبعية لهذه المجموعة أو تلك، ولكن الأكثر أهمية ليس الانتماءات المتعددة بل معنى الانتماء الذي يقيمه الفرد مع المكان والإقليم وما هي الارتباطات التي يكون سلوكه في داخلها ومن خلالها.

مقاربة أخرى تساعدنا في فهم العلاقة بين الإقليم والهوية تمكن صياغتها كالتالي: ماذا يعني “أن تكون من مكان ما؟”، أو بشكل آخر “ماذا يعني أن يكون أصلك من هذا المكان؟”، أو “ماذا يعني أن يكون لك جذور في هذا المكان؟”.

مِن كتاب (الأفكار والنظريات الجيوسياسية من الفضاء الجغرافي إلى الفضاء السياسي). الدكتور صلاح نيوف

د. صلاح نيوف

إشكالية الهوية من أكثر الإشكاليات التي تسبب اضطرابات في عصرنا. نجدها في خطاب الفلاسفة وعلماء النفس وعلماء الاجتماع وكذلك خطاب الصحفيين والسياسيين. تصف لنا هذه الخطابات فردَ “ما بعد الحداثة”، الذي يسعى بشكل متواصل للبحث عن نفسه؛ بحث متناقض يصبح فيه تأكيد الهوية هدفًا مبهجا وعبئا ثقيلا.

لكن الفرد ليس وحده في البحث عن هويته. هناك أيضا العديد من المجموعات الاجتماعية التي تميل نحو البحث القلق أو الدفاع عن هويتها: مجتمعات عرقية أو إقليمية، وحركات نسوية، وأقليات جنسية، وشباب من أصول مهاجرة …

كل هذه المظاهر ليست منفصلة عن بعضها البعض. إنها بلا شك تشهد على أزمة تهز أسس المجتمع على جميع المستويات (من الفرد إلى المؤسسات والمجتمعات). الهوية، عندما لا تشعر بالتهديد، لا تكون موضع تساؤل؛ إنها تؤكد نفسها بوضوح هادئ. ولكن، وفي اللحظات التي تكون موضوع شك وتساؤل، تصبح أمرا إشكاليا. إن حالة عدم اليقين والهشاشة التي تؤثر عليها هي أعراض “توعك في الحضارة” تقوض النماذج والقيم والمعايير التقليدية والمؤسسات التي تدعمها. يظهر الزوجان والأسرة والمدرسة وعالم العمل ونظام العدالة تصدعات عميقة تترك الفرد قلقًا وعاجزًا.

يؤثر عدم الاستقرار الهوياتي على المهنة والتوظيف وكذلك الروابط العاطفية والعائلية، ويعيد الفرد إلى نفسه ويشعر بالارتباك وعدم الاستقرار. يحل “الصراع على الأماكن”، محل الصراع الطبقي. كما لو كان على الجميع القتال بلا هوادة للدفاع عن وجود شخصي واجتماعي يكون دائما غير مؤكد ولجعل الآخرين يعترفون به. تصبح المنافسة على الوجود والظهور محركا للحياة الاقتصادية والاجتماعية -من التعليم إلى النجاح المهني؛ حتى أنه يصل إلى المجال العاطفي والجنسي.

وهكذا تظهر قضية الهوية في قلب التغيرات النفسية والاجتماعية والثقافية التي يمر بها العالم اليوم. كما أعلن المحلل النفسي إريك إريكسون في عام 1968 ببصيرة كبيرة: “أصبحت دراسة الهوية مركزية في عصرنا مثلها مثل الجنس في زمن فرويد. “

هل الاستخدام الواسع والشامل لهذا المصطلح، سواء في الخطاب اليومي أو في مجال العلوم الإنسانية، لا يزيده غموضا؟ في الواقع، ليس من السهل إعطاء تعريف بسيط. تكشف نظرة سريعة على القاموس الفرنسي بالفعل عن كل هذه التعقيدات. نقرأ في الواقع (في قاموس روبرت): الهوية “طابع، صفة أو خاصية ما هو متطابق” لـ “موضوعين فكريين متطابقين”، لا بل متشابهين. الهوية “صفة أو خاصية لما هو واحد” لا بل الاتحاد نفسه. الهوية الشخصية: “طابع أو خاصية ما يظل أو يبقى مطابقا لنفسه”؛ الهوية “حقيقة أن الشخص هو ذاك الفرد الذي يمكن التعرف عليه على هذا النحو” (وثيقة الهوية …).

ندرك، من خلال هذه القراءة البسيطة، أن الهوية تجمع بين الوحدة والتفرد والتشابه والاستمرارية والاعتراف (هوية الشخص الذي يتعرف على نفسه وعلى الآخرين). قد تبدو بعض هذه السمات متناقضة، مثل التفرد والتشابه، مما يعكس حقيقة أن كل فرد هو فريد أو وحيد بحد ذاته ومتشابه مع الآخرين. تُظهر هذه التعريفات أيضا أن الهوية تقدم جانبا موضوعيا: وهو ما يشار إليه في وثيقة الهوية (البطاقة أو دفتر سجل الأسرة): تاريخ ومكان الميلاد، والأصول، والطول، ولون العين … الكثير من الخصائص الدائمة التي تسمح بتحديد هوية الفرد دون التباس (إلى جانب أمور أخرى متغيرة مثل الحالة الاجتماعية، والمهنة، ومكان الإقامة، وما إلى ذلك).

كما تقدم الهوية وجها ذاتيا: الوعي الذي يتمتع به كل شخص لكونه على طبيعته، وبأنه فريد من نوعه والبقاء على حاله طوال حياته.

إن ما يظهره القاموس بشكل أقل هو أنه يمكن تطبيق المفهوم على الفرد، ولكن أيضا على الفئات أو المجموعات أو المجتمعات؛ لذلك نتحدث عادة عن الهوية الأنثوية، والهوية المهنية، والهوية الوطنية … وبالتالي فإن الهوية فردية وجماعية، وشخصية واجتماعية؛ وفي الوقت نفسه، تعبر عن تفرد وانتماء “المجتمعات” (ما هو عائلي، محلي، عرقي، اجتماعي، ايديولوجي، طائفي، وما إلى ذلك) التي تستمد كل منها بعض خصائصها من هذه المجتمعات.
ومن ناحية ذاتية، الهوية هي أولاً وقبل كل شيء معطىً لوعي فوري (“أنا أكون أنا”/أنا هو أنا)، حيث يشير اضطرابها إلى اضطراب عقلي خطير (تبدد الشخصية أو اختفائها). لكنه يترجم أيضا حركة انعكاسية أحاول من خلالها أن أتعرف على نفسي، لأعرف نفسي (“من أنا؟”)، للبحث عن تماسك داخلي، واتساق وكمال للوجود، ليتوافق مع ما أريد. أن نعمل على مقاطعة ومشابكة ما أريد أن أكون وما أصبحت عليه. لذلك فهي، في الوقت نفسه، حالة أو وضعية وحركة، إنجاز ومشروع، واقع وافتراض.

تُظهِر هذه الملاحظات القليلة تعقيد الظاهرة التي ندركها بالفعل أنها تميل إلى الجمع بين عناصر متناقضة: التفرد والتشابه، والفرد والمجتمع، والديمومة والتغيير، والموضوعي والذاتي والسكون والحركة …

إذا ظهرت الهوية للوهلة الأولى كمرجع أساسي (كل ما يشكلني في فرديتي، كل السمات التي تحددني)، فإنها تكشف عن نفسها في التحليل كعملية ديناميكية تميل إلى التوفيق بين الأبعاد المتناقضة التي تجمع لبناء الذات وتطورها. هذه العملية نشطة بشكل خاص أثناء الطفولة، ولكنها تستمر طوال الحياة.

رأينا في الأجزاء السابقة (1،2،3) تعقيد وتنوع وجهات النظر حول إشكالية الهوية؛ وبالتالي لا يمكن دراستها جميعا. سوف نستمر في المقاربة النفسية للهوية، دون إهمال الروابط التي قد تكون لها مع وجهات النظر الأخرى (الفلسفية أو الأنثروبولوجية أو الاجتماعية).

إذاً، إنها الهوية الذاتية هي محور ما سيتم التطرق إليه: الوعي بالذات، ما يسمى اليوم بالذات تحت تأثير علم النفس الأنجلو ساكسوني. لقد أشرنا سابقا إلى بعض الأبعاد الأساسية (المعبر عنها بمفاهيم مثل الصورة الذاتية أو الإدراك، وإدراك الذات، والشعور بالذات، واحترام الذات، وما إلى ذلك). لذلك فهي مسألة من التعامل مع علم نفس الهوية.

ضمن هذا المعنى، الهوية هي ظاهرة علائقية ولا يمكن فهمها إلا عند النظر إليها من هذا المنظور. إن الوعي الذاتي هو نتاج التفاعلات الاجتماعية. يولد ويتطور وينمى ضمن العلاقات مع الآخرين. لكن الآخر ليس فقط عاملا خارجيا (نموذج، موضوع ارتباط، حب أو كراهية، شريك، غرور، منافس، إلخ)؛ إنه جزء من هويتي. على حد تعبير جان بول سارتر: ” أنا أكون ” والوجود/الكينونة يتطلب وجود الآخر”. الآخر حاضر دائما في وعيي ويجتازه تماما؛ فهو في نفس الوقت فردا ملموسا وحضورا غير متمايز. غالبًا ما أرى نفسي في أعين الآخرين، وأقيم نفسي وأحكم على نفسي (كما نرى ذلك في تجربة الشعور بالعار مثلا).

مع ذلك، فإن العلاقة التأسيسية للهوية لا تقتصر على العلاقة المزدوجة بين الذات والآخرين؛ يتم تحديد هذه العلاقة من خلال السياق الذي تحدث فيه (على سبيل المثال، يتم تمييز علاقة الطفل بوالدته، حيث يتم تأسيس الأسس الأولى لهويته، من خلال سياق الأسرة بأكمله).

السياق ليس مجرد إطار للعلاقة؛ إنه حامل الأعراف والقيم وعلاقات الأماكن والقواعد العلائقية التي تشكلها بعمق. غالبا ما يكون هذا السياق “مجموعة” (عائلة، طبقة، مجموعة رفاق، فريق محترف، إلخ). وبالتالي فإن الهوية هي نتاج علاقة ثلاثية: الذات-الآخر-المجموعة. هذا هو السبب في إطلاق صفة المنهجية على هذه المقاربة: أي أنها تحلل الهوية كمنتج للتفاعلات الاجتماعية والعلاقات الشخصية، الموضوعة في سياق مؤسسي وجماعي.

لنأخذ مثالاً: هوية الطفل هي في الغالب نتيجة نظام الأسرة؛ يتكون هذا النظام من شبكة علاقات (بين أفراد الأسرة المختلفين)؛ ولكنه أيضا نظام أماكن (متأثر بثقافة الأسرة، والبيئة الاجتماعية، والقواعد القانونية)، ومجموعة من القواعد والقيم العلائقية.

إذاً، الهوية كعملية ديناميكية وعلائقية، يطلق عليها بعض علماء “الاستراتيجية الهوياتية”. تحدد هذه الاستراتيجية جميع الوسائل النفسية (الآليات المعرفية والعاطفية، والسلوكيات، وما إلى ذلك) التي ينفذها شخص ما (بوعي وقصد أو بغير وعي) من أجل الحصول على اعتراف من الآخرين، والاحتفاظ بصورة إيجابية عن نفسه، للحفاظ على هوية متماسكة.

يسمح مفهوم الاستراتيجية الهوياتية باعتبار الهوية على أنها خاصية ثابتة (سلسلة من السمات التي تميز الفرد) أكثر من اعتبارها نظاما منسقًا للآليات النفسية، يهدف إلى أهداف معينة ويستجيب لاحتياجات الهوية الأساسية. هذه الآليات هي داخل ـ نفسية وتفاعلية. إنها تضمن تحديد الذات وتعزيزها والحفاظ عليها والدفاع عنها.

يَنْتُجُ الشعور بالهوية عن عملية تطورية تنشأ بشكل خاص في مرحلة الطفولة؛ هذه العملية لا تحدث بدون أزمات وقطيعة. سيكون على الطفل، لتحقيق الشعور بالاكتمال والتوازن، أن يتكيف باستمرار مع التحولات التي تحدث من حيث النمو البيولوجي ونضج الأعضاء التناسلية والتنشئة الاجتماعية:

“لتجربة هذا الاكتمال، يجب أن يشعر المراهق باستمرارية تدريجية بين ما أصبح عليه خلال سنوات طفولته وما يَعِدُ به في المستقبل المتوقع؛ بين ما يعتقد أنه هو نفسه وما يراه الآخرون فيه ويتوقعون منه”.

الهوية ليست مجرد مجموع الهويات السابقة: المراهقة هي أيضا فترة قطيعة حيث يتخلى الشباب عن هويات معينة لاختيار هويات جديدة (للرفاق، والشخصيات ذات القيمة الاجتماعية، والنماذج التي تجسد تطلعاتهم …). هذه الهوية، بالمقابل، تعتمد على الدعم الممنوح للفرد الشاب من خلال الإحساس الجماعي بالهوية الذي يميز الفئات الاجتماعية التي ينتمي إليها : طبقته، أمته، وثقافته.

إن الطريقة التي يُعَرِّف فيها الفرد نفسه تجاه الآخرين تلتقي بشكل أكثر أو أقل بالطريقة التي ستُعَرِّفه بها الجماعة وتقدم له تعريفًا لنفسه، وفقًا لخصائصه الشخصية، وعائلته، والمجموعة التي ينتمي إليها.

أخيرا، يشير مصطلح الهوية تارة إلى شعور واعي بالخصوصية الفردية، وتارة إلى جهد لا واعي يميل إلى تأسيس استمرارية التجربة المعاشة، وأخيراً تضامن الفرد مع مُثل وقيم المجموعة. وبالتالي، فإن الشعور بالهوية يتأرجح بين قطب يمثله (الأنا) و(الأنا العليا). هذا الواقع الاجتماعي نطلق عليه (هوية الأنا).

إن التمييز بين (أنا الروحية) و (أنا الفيزيائية/النفسية) يُمَكِّنُنا من فهم مدى حدود الإنسان وكيف يمكن أن يكون حرا بلا حدود. الرهان هو القدرة على الربط بين الجانبين من الأنا.

تطلق الفلسفة على (أنا الروحية) و (أنا الفيزيائية/النفسية) مصطلح “الإيغو” ego، والإيغو هو التصور والإدراك والوعي الذي لدينا عن ذاتنا. (الأنا الروحية) هي النور المتعمد/المقصود وأحادي الاتجاه للوعي الذي يُنَشَّط ويضفي حياةً على كل فرد، هي الحرية والإرادة الخالصة الصافية. هذه (الأنا الروحية)، أو الوعي، هو الذي يسمح بظهور الأفكار داخل (الأنا الفيزيائية/النفسية).

أما (الأنا الفيزيائية/النفسية) هي مجموعة الخصائص الجسدية والنفسية للشخص (المزاج والشخصية، الفطرية والمكتسبة). إنها الأنا التجريبية للحس السليم.

إذاً، نتحدث عن “الإيغو” (أو الذات) عندما نتحدث عن الشخص بأكمله: الروحي المتمثل (بالأنا الروحية) والفيزيائي والنفسي المتمثل (بالأنا الفيزيائية والنفسية). (أنا الروحية) هي الحرية الكاملة، أما (أنا الفيزيائية/النفسية) هي المُقَيَّدة بالجسد.

ضروري جدا أن نعمل على توضيح المصطلحات والتحذير من تحول تأثيرات اللغة بين : (أنا الروحية) و (أنا الفيزيائية/النفسية) و “الإيغو” ego. “الأنا الروحية” تأكيد لفظي أشعر بموجبه أنني مركز وعي عالم من التجربة حيث لدي هوية متماسكة، وأنني أملك بكل قواي العقلية وقادر على قول ما أراه وما أفكر به (أي الحرية والإرادة). وبالتالي فإن الشعور بالهوية هو نتيجة طبيعية لـ “أنا الروحية”.

أما بالنسبة (للأنا الفيزيائية والنفسية)، فإنه من الضروري الاحتفاظ بالمعنى الذي وضعه التحليل النفسي لـ “جسم داخلي يضمن وجودا متماسكا عن طريق تصفية وتركيب، في سلسلة من اللحظات، كل الانطباعات والعواطف والذكريات والدوافع التي تحاول الدخول في تفكيرنا والمطالبة بنشاطنا والتي من شأنها أن تمزقنا إلى قطع إذا لم يتم فرزها والتحكم فيها بواسطة نظام حماية يتم إنشاؤه بشكل تدريجي وفي حالة يقظة مستمرة.

من يقرأ جان جاك روسو يعرف أنه وضع بصمة قوية فيما يتعلق بمفهومي المواطنة والهوية في فرنسا. لقد كان “مقنعا” في أفكاره حول الجمهورية والتي تتطلب تضحية كبيرة من جانب الفرد. أراد تخليص الهوية من الاختلاف، لا سيما الاختلافات الدينية.

ظهر ذلك في كتابيه الشهيرين [ العقد الاجتماعي، و إميل]. لقد كان هدف التعليم بالنسبة له هو التدرب على الفضيلة أكثر مما هو تدرب على التفكير الفردي المستقل، أراد بناء هوية جماعية بدلا من الفردية. المدرسة الفرنسية، كما تراها الطبقة السياسية اليوم، مرتكزة على روسو أيضا، ” هي السلاح الأفضل لاستعادة الأراضي (الثقافية/الفكرية) التي فقدتها الجمهورية”.

يتساءل التلميذ الأمريكي إذا كان زميله الفرنسي، أو زميلته، يستطيع أن يتحدث عن دينه أو يضع صليبا في رقبته أو غطاء على رأسه. في فرنسا الموضوع مختلف، لا يمكن وضع هذه الرموز في جميع الأماكن، فهي ممنوعة في بعض الأماكن العامة، في المدارس والأبنية الحكومية. لكن هذا مسموحا في الجامعة.

كما كان روسو في فرنسا، كان الفيلسوف جون ديوي في الولايات المتحدة (1859ـ1952). لقد شكل بفلسفته نظرة المعلمين الأمريكيين في معالجة الهوية الوطنية. لكن جون ديوي انطلق من فكرة التنوع الكبير بين السكان في الولايات المتحدة. بمعنى أن المعلمين يتعاملون مع التلميذ كصفحة قد حُفِرَ عليها بعض من الدروس والتقاليد الخاصة بالمجموعات العرقية والدينية، وليس كصفحة بيضاء خالصة. لا يريد المعلم من التلميذ أن يتخلى عن أصوله الثقافية، ولا ينتزع ثقافاتهم منهم، دوره هو دور الوسيط بين الثقافات.

يطلق جون ديوي على المدرسة اسم “البيئة الواسعة” التي تسمح للتلاميذ أن يروا أبعد من الحدود المفروضة عليهم بسبب خلفياتهم العرقية، وهي المكان الذي يتعلم فيه التلاميذ القيم والأهداف المشتركة مع زملائهم. لقد تأثر جون ديوي في كتابه ” ديمقراطية وتعليم” بالسياسات التعليمية للجمهورية الفرنسية الثالثة. لا شك أن مفهوم التعددية الثقافية في المدرسة لا يعتمد فقط على روسو أو جون ديوي، بل هناك عوامل كثيرة تتداخل في تشكيل هذا المفهوم.

أخيرا، أين نحن من هذا التراث الثقافي والحوار الفكري في بناء مدرسة المستقبل؟
فهل نستمر في تعليم التلميذ وفق الصيغة التالية: ” لقد كان الأجداد عظماء”…
أم نكتب له: ” لقد كان الأجداد…….” ونطلب منه أن يكمل الجملة بنفسه؟

Scroll to Top